نؤمن بأن التعليم رحلة تستمر مدى الحياة، لذلك نقدم لك في مدونتنا محتوى غني ومتنوع يساعدك في تطوير مهاراتك وتحقيق أقصى استفادة من العملية التعليمية.

في عالم تتسارع فيه طرق التعليم وتتنافس فيه المدارس على تقديم مناهج أكاديمية أكثر كثافة، يبرز منهج والدورف كأحد مناهج رياض الاطفال القليلة التي تقول: “لننظر إلى الطفل كإنسان، لا كآلة للحفظ”، فإذا كنت تبحث عن بيئة تعليمية تنمي طفلك عقليًا وعاطفيًا، وتغذي خياله بدلًا من أن تخنقه، فربما حان الوقت للتعرف على منهج والدورف أحد أبرز مناهج رياض الأطفال.
في هذا المقال من مدونة إديو ماركت، نأخذك في جولة لفهم فلسفة هذا المنهج، وطريقة تطبيقه، ومميزاته، وهل هو مناسب لطفلك فعلًا أم لا.
ما هو منهج والدورف؟
منهج والدورف (Waldorf Education) هو نظام تعليمي أسسه الفيلسوف النمساوي رودولف شتاينر في أوائل القرن العشرين.
يعد منهج والدورف من أكثر المناهج التي تضع “الطفل” في قلب العملية التعليمية. حيث يعتمد على فكرة أن التعليم لا يقتصر على الجانب المعرفي فقط، بل يجب أن يراعي نمو الطفل من جميع الجوانب، بما في ذلك خياله، ووجدانه، وروحه، وقدرته على التفاعل الاجتماعي.
في مرحلة رياض الأطفال، يُركز منهج والدورف على توفير بيئة تعليمية دافئة تشبه المنزل أكثر من كونها فصلًا دراسيًا تقليديًا، حيث يُمنح الطفل الوقت والمساحة للتعلم من خلال اللعب الحر، والتعبير الإبداعي، وممارسة الأنشطة الفنية واليدوية مثل التلوين، والتشكيل، والخياطة البسيطة.
كما تُعد الحكايات والرواية الشفوية والموسيقى والحركة اليومية جزءًا أساسيًا من البرنامج التعليمي، إلى جانب إشراك الأطفال في تفاصيل الحياة اليومية كتحضير الطعام، الزراعة، أو تنظيف الفصول، مما يُعزز الإحساس بالمسؤولية والانتماء.
هذه الطريقة تهدف إلى تنمية الطفل كإنسان متكامل، وتشجعه على أن يتفاعل مع العالم من حوله بفضول، وهدوء، وتقدير للجمال والتوازن.
فلسفة منهج والدورف: التعلم من خلال الإحساس والعلاقات
في منهج والدورف، لا يتم الضغط على الطفل بالحروف والأرقام منذ سن مبكرة، بل يتم تهيئة الطفل للتعلم من خلال:
- الخيال واللعب: لأنه الطريقة الطبيعية التي يفهم بها الطفل العالم.
- التقليد والتكرار: الطفل يتعلم من تقليد الكبار والأنشطة اليومية.
- الإيقاع والروتين: الأيام تكون منتظمة في الأحداث والنشاطات لتمنح الطفل شعورًا بالأمان.
- البيئة الطبيعية: يتم تجنب الألعاب الإلكترونية والبلاستيكية قدر الإمكان، ويتم استخدام مواد طبيعية (خشب، قماش، طين).
الهدف ليس فقط تعليم الطفل “ما يعرفه”، بل مساعدته على أن يصبح ما هو عليه بالفعل.
اعرف أكثر عن: كيف تؤثر مناهج رياض الأطفال على النمو الشامل لطفلك
مميزات منهج والدورف لرياض الأطفال
يمتاز منهج والدورف برؤية متكاملة للطفل، لا تقتصر على الجانب الأكاديمي فحسب، بل تمتد لتشمل الجوانب النفسية، الاجتماعية، الحركية، والإبداعية، وهو ما يجعل التجربة التعليمية فيه مختلفة تمامًا عن النماذج التقليدية.
إليك أبرز المميزات التي تجعل هذا المنهج أحد أفضل الخيارات في مرحلة الطفولة:
1- تعزيز الخيال والإبداع
يعتمد منهج والدورف على إتاحة مساحة كافية للطفل ليعبر عن نفسه بطريقته الخاصة، دون فرض قوالب أو نتائج محددة مسبقا. وذلك من خلال ممارسة العديد من الأنشطة مثل: الرسم، والتمثيل، والحكايات، والألعاب اليدوية، وغير ذلك.
فيتعلم الطفل أن يبتكر ويختار، لا أن يقلد ويحاكي نماذج جاهزة. وبالطبع تسهم هذه الطريقة في تنمية خياله، ويغرس فيه حب التعبير والتجريب منذ الصغر.
2- بناء الثقة بالنفس بعيدًا عن الضغط والتقييم
لا يعتمد منهج والدورف على الامتحانات أو التقييم بالدرجات في مرحلة رياض الأطفال، بل يُركز على متابعة نمو الطفل بطريقة طبيعية وغير مرهقة.
وغياب المقارنة بين الأطفال أو إشعارهم بالتفوق أو التقصير يُساعد كل طفل على النمو بثقة وهدوء، دون خوف من الفشل أو شعور بالنقص.
3- الاهتمام بالطفل كإنسان متكامل
ينظر منهج والدورف إلى الطفل باعتباره شخصية متكاملة، تحتاج إلى ما يغذي عقلها، ويحتوي مشاعرها، ويُفعّل جسدها، ويُنمّي ذوقها الجمالي.
ولهذا تُصمم الأنشطة اليومية بطريقة تُشرك الحواس، وتشجع الحركة، وتُقدّر مشاعر الطفل وتستجيب لها بلطف.
4- بيئة تعليمية دافئة وآمنة
الفصول الدراسية في رياض الأطفال التي تنتهج منهج والدورف لا تشبه غيرها من الفصول، بل هي في الغالب تشبه إلى حد كبير المنزل، من حيث الألوان الهادئة، والأثاث الخشبي الطبيعي، والألعاب المصنوعة يدويًا من القماش أو الخشب، وبالطبع مساحة نظيفة وآمنة للحركة والاكتشاف.
هذه البيئة تُشعر الطفل بالطمأنينة وتساعده على الاستقرار العاطفي، مما ينعكس إيجابًا على رغبته في التعلم والمشاركة.
5- الابتعاد عن الشاشات والمؤثرات البصرية المفرطة
يمنع منهج والدورف استخدام الأجهزة الإلكترونية في مرحلة الطفولة المبكرة، وذلك تبعا لاعتقاده بأن التفاعل الحقيقي مع البيئة والأشخاص هو الطريق الأفضل لبناء تركيز الطفل وتوازن نموه.
لذا بدلًا من الاعتماد على الوسائل الرقمية، يتم استخدام الحكايات الشفوية، والأغاني الحركية، والأنشطة اليدوية كوسائل تعلم رئيسية، مما يعزز الحضور الذهني ويُنمّي الحواس بطريقة طبيعية ومتدرجة.
ماذا يتعلم الطفل في منهج والدورف؟
على عكس مناهج رياض الأطفال التي تركز على القراءة والكتابة مبكرًا، يركز منهج والدورف على تنمية مهارات أعمق، مثل:
- التعبير الإبداعي: من خلال الرسم، التلوين بالماء، التمثيل، والموسيقى.
- الحركة الجسدية: كالرقص، الألعاب الحركية، المشي في الطبيعة، والأنشطة البدنية المنظمة.
- المهارات الاجتماعية: مثل التعاون، احترام الآخر، مشاركة اللعب، والانتظار.
- الروتين اليومي: مثل تحضير الطعام، ترتيب المكان، الاعتناء بالأشياء.
- القصص والحكايات: روايات تُقال بصوت المعلمة من الذاكرة، لا من الكتب، مما يجعل التواصل أعمق.
دور التعلم من خلال اللعب في منهج والدورف وأهميته
في نظر منهج والدورف، اللعب هو لغة الطفولة الأساسية، ومن خلاله يتعرف الطفل على العالم، ويجرب، ويخطئ، ويتعلم، دون أن يشعر أنه في “موقف تعليمي رسمي”.
اللعب ليس فقط وقتًا حرًا، بل هو تجربة تعليمية كاملة تُصمَّم بعناية لتخدم النمو العقلي والجسدي والعاطفي للطفل.
الفصول في رياض أطفال والدورف لا تفرض على الطفل أن يجلس ساعات في التلقّي أو حفظ المعلومات، بل تُشجّعه على الحركة، الاكتشاف، التخيل، وتكوين علاقات مع محيطه من خلال اللعب الحر والموجّه.
في اللعب، يمسك الطفل بقطعة قماش فيحولها إلى عباءة بطل، أو يستخدم مجموعة من المكعبات ليبني بيتًا، أو يمثل قصة قرأها بالأمس.
كما يتعلم الطفل التخطيط، ويتعامل مع مشاعر النجاح أو الإحباط، ويحل المشكلات، ويطوّر مهارات التواصل والتعاون، دون أن يُطلب منه ذلك بشكل مباشر.
منهج والدورف يُعيد تعريف “اللعب” ليكون تجربة تعليمية عميقة، تُهيئ الطفل للحياة، لا للاختبار ات فقط.
هل منهج والدورف يناسب جميع الأطفال؟
رغم أن منهج والدورف يتمتع برؤية إنسانية متكاملة ويقدّم بيئة تعليمية هادئة وغنية، إلا أن السؤال المهم الذي يطرحه كثير من الأهالي هو: هل هذا منهج والدورف مناسب لكل الأطفال؟
الإجابة هنا ليست بنعم أو لا، بل تتوقف على عدة عوامل متعلقة بطبيعة الطفل من ناحية، وبتوقعات الأسرة من ناحية أخرى.
إن هذا المنهج يناسب الأطفال الذين يُظهرون ميلًا للتعلم باللعب، ويستمتعون بالتعبير الفني والحكايات والأنشطة الحسية. كما يُناسب الأطفال الذين يحتاجون إلى وقت أطول للنمو الأكاديمي دون ضغط، ويشعرون بالأمان في بيئة لا تعتمد على التقييم والمقارنة.
على الجانب الآخر، قد لا يكون منهج والدورف مناسبًا للأطفال الذين اعتادوا على استخدام التكنولوجيا أو التعليم الرقمي منذ سن مبكرة، أو الذين يجدون صعوبة في التفاعل مع الأساليب غير المباشرة في التعليم، خاصة إذا كانت الأسرة تتوقع من الطفل تعلم الحروف والأرقام والقراءة مبكرًا.
مهتم بالتعرف على مناهج رياض الأطفال الأخرى: القي نظرة على المناهج التالية:
منهج ريجيو إيمليا للتعليم المبكر
الأسئلة الشائعة حول منهج والدورف
هل يوجد اعتماد رسمي لمنهج والدورف؟
نعم، هناك مؤسسات دولية معترف بها تشرف على جودة تطبيق منهج والدورف في المدارس حول العالم، مثل Waldorf/Steiner Education، ويجب التأكد عند التسجيل أن المدرسة معتمدة أو تتبع منهجًا مستندًا للفلسفة الأصلية بشكل صحيح.
هل مدارس والدورف منتشرة في الوطن العربي؟
لا تزال مدارس والدورف محدودة في المنطقة العربية، لكنها آخذة في الانتشار في بعض الدول مثل مصر، الإمارات، ولبنان. ويُلاحظ اهتمام متزايد من الأهل الباحثين عن مناهج تعليمية بديلة أكثر إنسانية وتوازنًا.
هل يوجد تقييم أو درجات في مدارس والدورف؟
لا يتم استخدام الدرجات أو التقييمات التقليدية في مرحلة رياض الأطفال. بدلًا من ذلك، يقوم المعلمون بكتابة ملاحظات دقيقة عن تطور الطفل على المستوى الجسدي، العاطفي، والاجتماعي، ويتم مشاركة هذه الملاحظات مع الأهل بشكل منتظم.
ما الفرق بين والدورف ومونتيسوري؟
كلا المنهجين يضع الطفل في مركز العملية التعليمية، لكن هناك فروق في الفلسفة والتطبيق.
في مونتيسوري، يبدأ التعليم الأكاديمي مبكرًا من خلال أدوات تعليمية منظمة، ويُشجَّع الطفل على التعلم المستقل داخل نظام محدد.
أما في والدورف، فالتعلم في المراحل المبكرة يتم من خلال اللعب، الفن، والتقليد، ويتم تأخير التعليم الأكاديمي حتى يُظهر الطفل الاستعداد الطبيعي له.
عمرو الخولي كاتب محتوى محترف بخبرة أكثر من 8 سنوات في كتابة المحتوى والمقالات التعليمية، وإعداد الأدلة الإرشادية، وتصميم المحتوى المتخصص للمواقع التعليمية.
مهتم بتقديم محتوى مبسط، موثوق، ومُحسّن لمحركات البحث (SEO) أساعد الطلاب، المعلمين، وأولياء الأمور على الوصول للمعلومة بسهولة.
على مدار سنوات عملي تعاونت مع العديد من المنصات التعليمية لتطوير محتوى عالي الجودة يغطي موضوعات مثل: التعلم الإلكتروني، الكورسات الأونلاين، أدوات التدريس الحديثة، ونصائح تحسين الأداء الدراسي.