مشكلة السرقة عند الأطفال اسبابها وعلاجها

تطلب منك ابنتك ذات الخمس سنوات أن تشتري لها قطعة حلوى، لكنك ترفض. تجيبها بهدوء وحزم “اليوم سأشتري فقط الحاجات الضرورية لهذا الأسبوع، لا حلوى اليوم”، ولكن عندما تضعها في مقعد السيارة تلاحظ شيئًا لامعًا يخرج من جيبها. يبدأ وجهك بالاحمرار تدريجيًا حين تدرك ما حدث.

تأخذ لحظة للتفكير في الخيارات المتاحة أمامك يمكنكِ أن تبادري فورًا بالعقاب أو أن تسألها بهدوء “هل أخذتِ شيئًا من المحل؟” ويمكنكِ أيضًا أن تعود بها إلى المتجر لإرجاع ما تم أخذه.

لكن، ما الطريقة الصحيحة للتعامل مع الموقف؟

عندما يسرق الأطفال الصغار من المهم أن يتم توجيههم بأسلوب حازم لكن مليء بالحب والتفاهم. ولكن ماذا لو بدأ الأطفال الأكبر سنًا بالسرقة أحيانا بالرغم أن يُفترض أنهم يعرفون الصواب؟

في الواقع السرقة عند الأطفال تُعد سلوكًا شائعًا بينهم وغالبًا ما تكون جزءًا طبيعيًا من مراحل تطورهم السلوكي، كما أن طريقة التعامل مع هذا السلوك تعتمد بشكل كبير على عمر الطفل وظروف الموقف نفسه.

متى يدرك الأطفال أن السرقة تصرف خاطئ؟

الأطفال الصغار جدًا لا يفهمون معنى “الملكية” إذا أعجبهم شيء ما قد يحاولون أخذه ببساطة دون تفكير. يرى خبراء الطفولة أن وعي الطفل بملكيته الخاصة يبدأ تقريبًا في عمر السنتين لكن الفهم الكامل لحقوق ملكية الآخرين يتطور تدريجيًا ما بين عمر ٣ إلى ٥ سنوات.

كما تنصح الأكاديمية الأمريكية للطب النفسي للأطفال والمراهقين بأن المرحلة العمرية من ٣ إلى ٥ سنوات هي فترة مهمة جدًا يجب أن يبدأ فيها الآباء في تعليم أطفالهم بشكل فعّال عن مفاهيم الملكية والصدق.

ويُشدد الخبراء على أهمية أن يكون الوالدان قدوة حسنة في احترام ممتلكات الآخرين وهذا يعني مثلًا عدم إحضار أدوات مكتبية من العمل دون إذن أو التفاخر بأنهم أخذوا شيئأ من السوبر ماركت دون أن يدفعوا ثمنها.

أسباب السرقة عند الأطفال؟

هناك عدة أسباب تجعل الأطفال يأخذون أشياء لا تخصهم.
الأطفال الصغار قد يسرقون فقط لأنهم يريدون شيئًا ولا يملكون القدرة على ضبط النفس لمنع أنفسهم.

أحيانًا يكون سبب السرقة عند الأطفال هو الغيرة أو الانتقام أو مجرد رغبة قوية في امتلاك شيء معين وأحيانًا يكون لأنهم ببساطة لا يعرفون أن ما يفعلونه خطأ.

ومع تقدم الأطفال في السن قد يستمر نفس السبب مثل الغيرة أو الرغبة لكن لو تكررت السرقة ولم تكن مجرد تصرف عابر فقد يكون الدافع هو ضغط الأصدقاء أو التمرد أو الرغبة في لفت انتباه الآخرين.

ولو بدأت تصرفات السرقة فجأة وبدون سبب واضح يمكن  أن يكون هناك مشكلة أعمق تحتاج الانتباه.

أما الأطفال الذين يستمروا في السرقة رغم محاولات الأهل لتعليمهم عدم فعل ذلك فقد يكون لديهم مشكلة داخلية مثل تجربة صادمة أثرت على قدرتهم على ضبط النفس أو عندهم ميول للسرقة بشكل قهري.

الأسباب النفسية للسرقة عند الأطفال

تُعتبر السرقة عند الأطفال من التحديات التي يواجهها العديد من الآباء مع أطفالهم. بينما قد تكون في بعض الأحيان سلوكًا طبيعيًا مرتبطًا بمراحل النمو إلا أن تكرارها يمكن أن يشير في بعض الحالات إلى مشاكل نفسية كامنة.

لذا من الضروري فهم أسباب السرقة عند الأطفال لمعالجة الموقف بشكل مناسب ومساعدة الطفل في التعامل مع مشاعره بطريقة صحية.

الجوانب النفسية لسلوك السرقة عند الأطفال:

الرغبة في لفت الانتباه

قد يلجأ بعض الأطفال للسرقة كوسيلة لجذب انتباه الوالدين أو الأصدقاء  خاصةً إذا شعروا بالإهمال أو تجاهل مشاعرهم. في هذه الحالة، حتى الانتباه السلبي يُعتبر أفضل من لا شيء بالنسبة لهم.

اضطرابات التحكم في الدوافع Impulse Control Disorders

هناك بعض الحالات مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) تجعل الطفل يعاني من صعوبة في التحكم في اندفاعاته.

 وهذا قد يؤدي إلى سلوكيات غير مدروسة مثل السرقة دون وجود نية حقيقية لإيذاء الآخرين بل فقط لأنه لا يستطيع مقاومة الرغبة في أخذ الشيء.

عدم الفهم الكافي لمفهوم الملكية أحد أهم أسباب السرقة عند الأطفال

لا يدرك الصغار وخاصةً في مراحل الطفولة المبكرة معنى “الملكية” بشكل كامل مما قد يدفعهم لأخذ ما يعجبهم دون إدراك أن هذا السلوك خاطئ أو وجود نية حقيقية لإيذاء الآخرين بل فقط لأنه لا يستطيع مقاومة الرغبة في أخذ الشيء.

الضغط من الأصدقاء

قد يسرق الأطفال أحيانًا لمجرد الرغبة في الاندماج مع أصدقائهم أو لأنهم تعرضوا للتحدي بينهم. كما قد يشعر الطفل بالخوف من أن يُستبعد أو يُسخر منه إذا رفض الموافقة على ما يطلبه أصدقائه.

ضعف الثقة بالنفس

الأطفال الذين يعانون من ضعف في تقدير الذات قد يلجؤون للسرقة بهدف كسب إعجاب الآخرين أو نيل قبولهم.

وقد يعتقد الطفل أن امتلاكه لأشياء معينة سيجعله محبوبًا أكثر أو يجعله يبدو ناجحًا في نظر زملائه.

 التعامل مع التوتر والصدمات

في بعض الحالات تكون السرقة وسيلة للهروب أو للتأقلم مع مشاعر صعبة مثل التوتر أو الحزن أو حتى صدمة نفسية مثل طلاق الوالدين أو الانتقال المفاجئ إلى مكان جديد.

التصرف قد لا يكون عن قصد، بل كطريقة لتفريغ مشاعر غير مفهومة.

   الغيرة

في مجتمع يرتبط فيه النجاح غالبًا بالمال والممتلكات قد يشعر بعض الأطفال بالغيرة أو النقص عند مقارنتهم بغيرهم. هذا الشعور قد يدفعهم إلى السرقة لمحاولة امتلاك ما يملكه الآخرون حتى لو لم يكونوا بحاجة حقيقية له.

يعتبر فهم أسباب السرقة عند الأطفال النفسية خطوة أساسية للتعامل الصحيح مع المشكلة. فعندما ندرك أن هناك مشاعر أو ضغوطًا وراء سلوك السرقة نتمكّن من مساعدة الطفل على التعبير عن نفسه بطريقة صحية.

وإذا استمر الطفل في السرقة أو ظهرت عليه سلوكيات أخرى مقلقة فمن الأفضل استشارة أخصائي نفسي أو طبيب نفسي للأطفال لأن التدخل المبكر يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في تحسين سلوك الطفل وتوازنه النفسي.

فالهدف ليس فقط أن يتوقف الطفل عن السرقة بل أن يتعلم كيف يعبّرعن مشاعره واحتياجاته بطريقة صحيحة وأن يبني إحساسًا بالقيم والصدق والمسؤولية.

تعرف على: أضرار المقارنة بين الأطفال

ماذا تفعل كأب أو أم عندما يسرق طفلك؟

مكنك أن تُعلّم أطفالك منذ الصغر أن هناك أشياء تخصّ الآخرين لكن حاول أن تستخدم لغة إيجابية فبدلاً من أن تقول “هذا ليس لك”، قل “هذا كتاب سارة.”

كما أنه من الجيد أن تصطحب طفلك الصغيرمعك إلى المتجر بين الحين والآخر فهذا المكان مثالي لتعليمهم فكرة الدفع مقابل الأشياء.

مع الأطفال في مرحلة (2-3 سنوات) احرص على تبسيط الفكرة “يجب أن ندفع ثمن الأشياء قبل أخذها إلى المنزل” ومع الوقت يمكنك  أن تشرح لهم بشكل مبسط فكرة “الرزق والشغل والشراء”

و أن تحكي لهم رحلة الاستهلاك لهم بشكل مبسط، مثل “نحن ندفع المال للبائع الذي بدوره يستخدمه لشراء بضائع جديدة ويدفع رواتب العاملين”

الأطفال الأكبر سنًا يمكنهم أيضًا فهم القاعدة الذهبية
“عامِل الناس كما تحب أن يُعامِلوك.”

اسألهم“كيف ستشعر لو أخذ أحدهم شيئًا يخصك دون أن يستأذنك؟”
هذا النوع من الأسئلة يساعدهم على التفكير في مشاعر الآخرين وفهم أن السرقة تؤذي غيرهم.

المراهقون والأطفال في سن ما قبل المراهقة بيكونوا في مرحلة تكوين مبادئهم وأفكارهم عن الصح والخطأ، وفهم الخاص للعدالة.

اسألهم “أي نوع من الأشخاص تريد أن تكون؟” “ماذا تفعل في مثل هذه المواقف؟” ومع المراهقين من المهم أن تتحدث عن الثقة والمسؤولية فهم يريدون أن يشعروا بأنك تثق بهم ويرغبون في حرية أكبر واستقلالية أكثر.

اشرح لهم أن الحرية مرتبطة بالمسؤولية وأن من يأخذ شيئًا من محل دون دفع أو يأخذ مالًا من والديه دون إذن غير مستعد لتحمّل حرية أكبر.

فالثقة تُبنى بالتصرفات لا بالكلام فقط.

ماذا تفعل إذا استمر طفلك في السرقة؟

إذا كنت تقرأ هذا المقال لأنك حاولت من قبل تأديب طفلك بسبب السرقة، لكنه لا يزال يكررها خذ نفسًا عميقًا. أنت لست وحدك.

بعض الأطفال يسرقون لأسباب أعمق من مجرد رغبة في الشيء نفسه، وقد يكونوا بحاجة إلى أسلوب مختلف تمامًا في التعامل ليس مجرد عقاب أو توبيخ. الفكرة ليست في “كيف أوقفه؟” بل”ما الذي يدفعه لهذا التصرف؟ وماذا يحتاج فعلًا؟”

عندما تصبح السرقة مشكلة متكررة وفي هذه الحالة لابد من الاستعانة بمختصين نفسيين لمساعدته على معالجة الأسباب العميقة خلف هذا السلوك.

لأن السرقة أحيانًا تكون رد فعل نفسي للصدمات خصوصًا عند الأطفال الذين تعرّضوا للإهمال أو العنف أو عاشوا في ظروف قاسية مثل الأطفال في دور الرعاية.

كما قد يسرق الطفل بشكل لا إرادي لأنه يشعر داخليًا أنه بحاجة لتأمين نفسه أو لأنه خسر الكثير في حياته ويحاول تعويض ما فقده.

ومع ذلك من الضروري أن توضح لطفلك أن السرقة أمر غير مقبول وأن الأشياء المسروقة يجب إعادتها. وفي بعض الحالات قد يكون من المناسب أن تسحب بعض الامتيازات مؤقتًا إذا شعرت أنك لا تستطيع الوثوق به في الوقت الحالي لكن بدون قسوة.

وفي هذه المواقف لا تنسَ أن قليلًا من التعاطف يصنع فرقًا كبيرًا حاول أن تغيّر نظرتك من “كيف أعاقبه؟” إلى “كيف أكون بجانبه؟”

هدفك ليس أن تجعله يشعر بالسوء فهو في الغالب يشعر بذلك أصلًا هدفك أن تكون شخصًا يشعر معه بالأمان.

  • مع الأطفال الصغار استمر في التذكير بالتةقعات والقواعد بلغة بسيطة وواضحة.
  • ومع الأكبر سنًا، قل له
    “أنا أحبك، وهذا التصرف غير مقبول وسأبقى بجانبك لمساعدتك.”

بهذا الأسلوب تُعلّمه أن الثقة تُبنى وأن الخطأ يمكن تصحيحه وأن الحب لا يختفي وقت الأزمات.