نؤمن بأن التعليم رحلة تستمر مدى الحياة، لذلك نقدم لك في مدونتنا محتوى غني ومتنوع يساعدك في تطوير مهاراتك وتحقيق أقصى استفادة من العملية التعليمية.

العنف المدرسي: الأسباب، الآثار، وسبل المعالجة السليمة

تُعد المدرسة هي البيئة الأساسية التي يتشكل فيها وعي الطفل ويُبنى فيها مستقبله، فهي ليست مجرد مؤسسة لتلقين العلوم والمعارف، بل هي فضاء تربوي واجتماعي يتعلم فيه الفرد القيم والمبادئ والسلوكيات التي تُرافقه مدى الحياة. ومن هذا المنطلق، فإن أي خلل في هذه البيئة يُعد تهديدًا مباشرًا لتطور الطفل النفسي والعقلي والاجتماعي.

لكن ما يدعو للقلق هو تنامي ظاهرة العنف المدرسي في السنوات الأخيرة، حيث باتت تحتل مكانة بارزة في تقارير المنظمات التربوية والحقوقية حول العالم. فمشاهد العراك بين الطلاب، والتعدي اللفظي أو الجسدي على المعلمين، وانتشار التنمر داخل الفصول وفي ساحات المدرسة، أصبحت مع الأسف، مشاهد مألوفة لدى الكثير من المجتمعات.

ويُعد العنف المدرسي من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي بدأت تأخذ أبعادًا مقلقة في المجتمعات العربية والعالمية على حد سواء. فرغم أن المدرسة يجب أن تكون بيئة آمنة للتعلم وبناء الشخصية، إلا أنها في بعض الأحيان تصبح ساحة للعنف الجسدي واللفظي والمعنوي، مما يؤثر سلبًا على كل من الضحية والمجتمع بأكمله.

في هذا المقال، سنقوم بتسليط الضوء على مفهوم العنف المدرسي، وأهم أسبابه وأنواعه، بالإضافة إلى عرض لأبرز الإحصائيات محليًا ودوليًا، وصولًا إلى اقتراح سبل عملية للمعالجة.

مفهوم العنف المدرسي:

العنف المدرسي هو أي فعل عدواني يقع داخل محيط المؤسسة التعليمية ويستهدف فردًا أو جماعة بقصد الإيذاء، وقد يكون عنفًا جسديًا (كالضرب)، أو لفظيًا (كالإهانة أو السب)، أو نفسيًا (كالترهيب والعزلة الاجتماعية)، أو جنسيًا، أو حتى إلكترونيًا عبر وسائل التواصل.

ويشمل هذا العنف عدة أطراف: التلميذ، المعلم، الإدارة، وحتى أولياء الأمور أحيانًا. ومن المهم الاعتراف بأن العنف لا يصدر فقط من الطلاب، بل قد يكون المعلم مصدرًا له في بعض الأحيان.

أسباب العنف المدرسي:

للعنف المدرسي أسباب كثيرة منها ما يرجع إلى الفرد نفسه، ومنها ما يرجع إلى المدرسة:

أسباب فردية:

  • اضطرابات نفسية وسلوكية: يعاني بعض الطلاب من اضطرابات مثل الاكتئاب أو فرط النشاط، مما يجعلهم أكثر عرضة لسلوك عدواني.
  • البيئة الأسرية: الطفل الذي ينشأ في بيئة يسودها العنف أو الإهمال، غالبًا ما يعكس هذا السلوك في محيطه المدرسي.
  • تأثير وسائل الإعلام: مشاهد العنف المنتشرة في الألعاب الإلكترونية والأفلام تخلق لدى الأطفال سلوكيات عدوانية.

أسباب مدرسية:

  • أساليب التدريس الصارمة أو المهينة: عندما يشعر التلميذ بالإهانة أو الظلم من المعلم، قد يرد بعنف لفظي أو جسدي.
  • ضعف البنية التربوية: غياب المرشدين النفسيين والاجتماعيين يؤدي إلى تجاهل علامات الخطر لدى بعض التلاميذ.
  • التمييز بين الطلاب: لمعاملة غير العادلة أو التفضيل بين التلاميذ يزرع الحقد ويشعل الخلافات.

أسباب مجتمعية:

  • الفقر والتهميش: التلميذ الذي يعاني من الحرمان المادي قد يشعر بالإقصاء، ويستخدم العنف كوسيلة لإثبات وجوده.
  • الجهل وعدم الوعي الثقافي: غياب الوعي بأهمية احترام الآخر والتسامح يؤدي إلى تطبيع العنف كممارسة يومية.

آثار العنف المدرسي

للعنف المدرسي آثار عديدة على كل من الطالب والمدرسة والمجتمع ككل ومن هذه الآثار ما يلي:

آثار العنف المدرسي على الطالب:

  • انخفاض الأداء الأكاديمي: الخوف والتوتر يعيقان عملية التعلم ويؤديان إلى تراجع المستوى الدراسي.
  • العزلة والانطواء: يتجه الطلاب ضحايا العنف إلى الانغلاق والابتعاد عن الأنشطة المدرسية.
  • اضطرابات نفسية: قد يصاب الطفل بقلق دائم أو اكتئاب، وقد يفكر أحيانًا في الانتحار.

آثار العنف المدرسي على المدرسة:

  • فقدان البيئة الآمنة: ينتشر الخوف بين التلاميذ، مما يجعل المدرسة مكانًا غير جاذب للتعلم.
  • ارتفاع معدلات الغياب والتسرب: الطلاب الذين يشعرون بعدم الأمان يفضلون الانقطاع عن الدراسة.

آثار العنف المدرسي على المجتمع:

  • إعادة إنتاج العنف: الطالب الذي يتعرض أو يمارس العنف في المدرسة قد يحمله معه إلى الشارع، أو في مستقبل حياته العملية.
  • زيادة نسب الجريمة: الدراسات تشير إلى أن العنف في المدارس هو مقدمة للعنف المجتمعي.

إحصائيات حول العنف المدرسي:

  • عالميًا: أشارت منظمة اليونسكو إلى أن ثلث الطلاب حول العالم يتعرضون لشكل من أشكال التنمر أو العنف المدرسي شهريًا، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا للتعليم الجيد والآمن.
  • في مصر: وفقًا لليونيسف، يتعرض حوالي 70% من الأطفال المصريين للتنمر أو العنف في المدارس، سواء من زملائهم أو أحيانًا من المعلمين. كما أظهرت دراسة نُشرت في صحيفة المصري اليوم أن ما يقارب 47% من الطلاب بين 13 و17 عامًا أقروا بانتشار العنف الجسدي بين أقرانهم.
  • في تونس: أعلنت الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بإدارة الشرطة العدلية عن تسجيل أكثر من 2200 حالة عنف مدرسي سنة 2023، منها 69% عنف مادي، و28% عنف معنوي.
  • في الكويت: أظهر استبيان أجرته نيابة الأحداث أن 66% من الطلبة يتعرضون للعنف المدرسي، وأن 69.9% يشعرون بالخوف نتيجة ذلك، بينما يفكر 64.6% في الانتقال إلى مدرسة أخرى.

حلول مقترحة للحد من العنف المدرسي:

  1. تعزيز القيم التربوية: إدماج مفاهيم التسامح، احترام الآخر، وحقوق الإنسان في المناهج الدراسية لتكوين وعي مبكر لدى التلاميذ.
  2. تفعيل دور المرشد النفسي: وجود أخصائي نفسي واجتماعي في كل مدرسة أمر ضروري لمتابعة التلاميذ، وخاصة من تظهر عليهم علامات العنف أو الاضطرابات.
  3. التكوين المستمر للمعلمين: تدريب المعلمين على كيفية إدارة السلوكيات العدوانية بطريقة تربوية سليمة، دون استخدام أساليب مهينة.
  4. دور الأسرة: يجب على الأسرة مراقبة سلوك أبنائها، وتعزيز التواصل معهم، وتحفيزهم على التعبير عن مشاعرهم دون خوف.
  5. تحديث التشريعات: وضع قوانين واضحة لمعالجة قضايا العنف المدرسي، مع آليات فعالة للإبلاغ والحماية.

خاتمة: 

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن العنف المدرسي ليس مجرد انحراف سلوكي عابر، بل هو جرس إنذار ينبئ بوجود خلل عميق في المنظومة التربوية والاجتماعية المحيطة بالطفل. فحين تتحول المدرسة من بيئة حاضنة وآمنة إلى فضاء يشوبه العنف والخوف، فإن ذلك يُهدد الرسالة التربوية بأكملها، ويفتح المجال أمام نشوء جيل يعاني من الاضطرابات النفسية والعاطفية، وقد يحمل معه هذه التجارب السلبية إلى مستقبله وحياته المجتمعية.

والمسؤولية في هذا الصدد لا تقع على جهة واحدة فقط، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الأسرة، والإدارة المدرسية، والمعلمين، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني، وحتى صناع القرار. إذ يجب أن نؤمن بأن الوقاية من العنف المدرسي ليست رفاهية، بل هي استثمار حقيقي في الإنسان، وفي مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا.

لذا فإن بناء بيئة مدرسية آمنة، قائمة على الحوار، وقبول الآخر، والعدالة، ليست مهمة مستحيلة، لكنها تحتاج إلى رؤية واضحة، وإرادة حقيقية، وخطط مستدامة. فالتعليم لا ينجح فقط من خلال المناهج والمعلمين، بل أيضًا من خلال القيم التي تُغرس في نفوس الطلاب، وفي الجو العام الذي يعيشه الطفل يوميًا داخل المدرسة.

ولن يتحقق ذلك إلا إذا اعتبرنا أن حماية الطفل من العنف ليست مجرد شعار، بل واجب وطني وإنساني، يجب أن نترجمه إلى أفعال يومية، تبدأ من البيت، وتستمر في المدرسة، وتُكرس في السياسات العامة.

سلمى أباصيري