نؤمن بأن التعليم رحلة تستمر مدى الحياة، لذلك نقدم لك في مدونتنا محتوى غني ومتنوع يساعدك في تطوير مهاراتك وتحقيق أقصى استفادة من العملية التعليمية.

مشكلة التنمر عند الأطفال هي مشكلة شائعة تواجهنا جميعًا كآباء وأمهات، فالأطفال في المدرسة غالبًا ما ينقسمون إلى قسمين: إمّا متنمِّر أو متنمَّر عليه، ولعلّ أكثر لحظات هذه المشكلة قسوة حين نكتشف كأولياء أمور أن صغيرنا قد تعرَّض للتنمر، فنكون وقتها مطالَبين بشكل جدي بالتعامل مع مشكلة التنمر ضد أطفالنا، ونكون محظوظين إذا اكتشفنا العلاج المناسب.
التنمر مشكلة تترك آثارها على سلوك الطفل ونفسيته وتحصيله الدراسي، لهذا كان من الضروري أن نتعرّض لها في مدونة إديو ماركت التعليمية. ففي هذا المقال سنتعرف معًا على معنى التنمر، وأشكاله، وأشهر أعراضه التنمر، وكيفية علاجه بطرق صحيحة وفعالة.
تعريف مصطلح التنمر عند الأطفال
إذا أردنا البدء بـ علاج التنمر عند الأطفال، فيجب أن نتعلم في البداية كيف نميزه؟ فصدق أو لا تصدق، يمكن أن يفهم طفلك “خطأ” أنه قد تعرّض للتنمر، ويتضح في النهاية أن ما تعرّض له لم يكن تنمرًا من الأساس.
التنمر عند الأطفال هو سلوك عدواني متكرر يتعمّد فيه الطفل إيذاء طفل آخر، وتختلف أشكال الإيذاء، فيمكن أن تكون جسدية (كالضرب)، أو لفظية (كالسباب)، أو نفسية (كنشر الشائعات)، وقد يحدث التنمر داخل المدرسة أو خارجها، أو حتى عبر الإنترنت فيما صار يُعرف بـ “التنمر الإلكتروني”.
وتكمن خطورة التنمر في أنه غالبًا ما يُمارس في صمت، ويؤثر على ثقة الطفل بنفسه، ويترك آثارًا نفسية قد تستمر لسنوات إذا لم نتعامل معه في وقت مبكر وبشكلٍ صحيح.
وإذا أردنا أن نقترب أكثر من عالَم التنمر عند الأطفال، فيجب أن نتعرّف معًا على أشكاله، حتى نستطيع تمييزه بسهولة.
أشكال التنمر عند الأطفال
تتنوع أشكال التنمر عند الأطفال، ولا تقتصر على العنف الجسدي فقط كما هو شائع، بل تشمل سلوكيات كثيرة قد لا يلاحظها الأهل أو المعلمون بسهولة. ومن أبرز هذه الأشكال:
- التنمر الجسدي: مثل الضرب، الدفع، الركل، أو إتلاف ممتلكات الطفل.
- التنمر اللفظي: يشمل السخرية، الإهانة، إطلاق الألقاب الجارحة، التهديد بالكلام أو الإغاظة المستمرة.
- التنمر الاجتماعي أو العاطفي: من أكثر أنواع التنمر قسوة، ويشمل استبعاد الطفل من المجموعات، نشر الشائعات عنه، أو التلاعب بعلاقاته الاجتماعية لإيذائه.
- التنمر الإلكتروني: ويحدث عبر الإنترنت أو الهواتف، مثل إرسال رسائل مسيئة، تعليقات جارحة، أو نشر صور محرجة بهدف الإهانة أو الإذلال.
من المهم أن ندرك أن بعض هذه الأشكال قد تبدو “تصرفات عادية بين الأطفال” حيث يمكن ألّا يعتبر المتنمر نفسه متنمرًا بل أنه يعتقد أنه “يمزح فحسب”، لكنها قد تترك أثرًا نفسيًا عميقًا وتؤثر على نمو الطفل الاجتماعي والعاطفي كما أسلفنا.
أسباب التنمر عند الأطفال
لكن لماذا يتعرض طفلي للتنمر في المقام الأول؟ ما الذي قد يدفعنا للبحث عن علاج التنمر عند الأطفال والتعرض لمثل هذا الموقف؟ سؤال قد يؤرقنا عند معرفة أن طفلنا الغالي يتعرض للمضايقة بشكلٍ يومي من أحد زملائه، فنبدأ في التفكير: هل هو شيء في شكله؟ هل ارتكبت خطأ ما في ملابسه؟ هل هي تسريحة شعره؟ هل أدلله أكثر من اللازم؟ أسئلة كهذه تجعلنا نفقد الثقة في أنفسنا أو في طفلنا ذاته، وحتى لا نشعر بالحيرة، نعرض لكم أكثر الأسباب الشائعة:
- الاختلاف في الشكل أو الهيئة: مثل الوزن الزائد أو النحافة المفرطة، ارتداء نظارة، مشاكل في الأسنان، أو علامات جسدية مميزة، تجعل الطفل مختلفًا عن أقرانه وتعرضه للسخرية.
- الهدوء أو الخجل الزائد: الأطفال الذين لا يدافعون عن أنفسهم غالبًا ما يُنظر إليهم كضحايا سهلة للسيطرة أو الإيذاء اللفظي والجسدي.
- التميّز الدراسي أو التفوق الواضح: أحيانًا يكون الطفل المتفوّق هدفًا للتنمر من زملاء يشعرون بالغيرة أو النقص.
- الاختلافات الثقافية أو الدينية أو اللغوية: كأن يكون الطفل من بيئة مختلفة أو يتحدث بلهجة غير مألوفة لزملائه، مما يعرضه للتنمر بدافع التمييز أو عدم الفهم.
- الانطواء أو قلة الأصدقاء: الطفل الذي لا يملك شبكة دعم اجتماعي في المدرسة يكون أكثر عرضة للتنمر، لأنه لا يجد من يحميه أو يدافع عنه.
- الإعاقات الجسدية أو صعوبات التعلم: الأطفال الذين يعانون من مشاكل جسدية أو تعليمية قد يُستهدفون من بعض الأطفال الذين لا يفهمون حالتهم أو يشعرون بأنهم “أقل”.
لكن، يجب أن تفهم يا عزيزي/عزيزتي أن كل ما سبق لا يبرِّر سلوك التنمر، فاختلافاتنا البدنية، الاجتماعية، والثقافية، لا يجب أن تجعل منّا عرضة للمضايقة. لكننا يجب أن نقف على الأسباب حتى تستطيع معًا إيجاد الحلول.
لماذا يمارس الأطفال التنمر؟
في حديثنا عن علاج التنمر عند الأطفال، لن نغفل المتنمر نفسه، فالطفل لا يولد متنمِّرًا، لكن هناك مجموعة من الأسباب والعوامل التي قد تدفعه لممارسة التنمر على غيره. ومن أبرز أسباب التنمر عند الأطفال:
- البيئة الأسرية غير المستقرة: الطفل الذي ينشأ في بيئة مليئة بالعنف أو الإهمال أو المقارنة مع الاطفال الآخرين والانتقاد المستمر قد يُفرغ غضبه أو شعوره بالنقص في إيذاء الآخرين.
- الرغبة في فرض السيطرة: بعض الأطفال يلجأون للتنمر كوسيلة للشعور بالقوة أو لجذب الانتباه، خصوصًا إذا كانوا يفتقدون الشعور بالأمان أو التقدير.
- التعرض لتنمر سابق: قد يتحول الطفل الذي كان ضحية في الماضي إلى متنمر لاحقًا، كرد فعل دفاعي أو رغبة في الانتقام.
- التقليد: الأطفال يتعلمون بالسلوك والنموذج، فإذا رأوا أشخاصًا مؤثرين في حياتهم (أهل، معلمين، شخصيات إعلامية) يستخدمون العنف أو الإهانة، قد يظنون أن ذلك طبيعي ومقبول.
- قلة التوجيه والرقابة: عندما لا يُوَجَّه الطفل بشكل صحيح ولا يتعلم التعاطف واحترام الآخر، يمكن أن يتطور لديه سلوك تنمّري.
- الغيرة أو التنافس: أحيانًا يكون التنمر ناتجًا عن مشاعر غيرة من زميل متفوّق دراسيًا أو محبوب اجتماعيًا.
معرفة الأسباب تساعدنا في فهم الطفل المتنمّر وتقديم الدعم النفسي والتربوي المناسب له، فالهدف ليس نبذ المتنمر في النهاية، بل أن نعمل على علاجه كما نعمل على علاج الأطفال الذين تعرضوا للتنمر منه.
أعراض التنمر عند الأطفال
وقد لا يخبرك طفلك صراحةً أنه يتعرّض للتنمر، لكن هناك إشارات واضحة يمكنك ملاحظتها تشير إلى وجود مشكلة، ومن أبرز أعراض التنمر عند الأطفال:
- رفض الذهاب إلى المدرسة: إذا أصبح الطفل فجأة يرفض الذهاب إلى المدرسة أو يظهر عليه القلق كل صباح، فقد يكون ذلك ناتجًا عن خوفه من المتنمّرين.
- تغيرات مفاجئة في المزاج والسلوك: مثل الانطواء، الحزن الدائم، العصبية المفرطة، أو فقدان الثقة بالنفس.
- انخفاض الأداء الدراسي: تراجع مفاجئ في درجات الطفل أو فقدان التركيز في المذاكرة أو فشل دراسي، نتيجة للضغط النفسي الذي يسببه التنمر.
- آثار جسدية غير مفسّرة: كالكدمات، أو الخدوش، أو الملابس الممزقة التي لا يوضح الطفل سببها.
- اضطرابات النوم أو الكوابيس: قد يواجه الطفل صعوبة في النوم أو ينام متقطعًا بسبب القلق والخوف.
- فقدان الشهية أو اضطرابات الأكل: مثل فقدان مفاجئ للرغبة في الأكل أو الأكل المفرط كوسيلة للتعامل مع التوتر.
- الشكوى المتكررة من آلام جسدية: مثل آلام المعدة أو الصداع دون وجود سبب عضوي واضح.
إذا لاحظت أيًّا من هذه الأعراض بشكل مستمر، فمن المهم أن تبدأ بالتحدث مع طفلك بلطف واهتمام، وأن تبحث عن دعم متخصص إذا لزم الأمر.
التنمر عند الأطفال في المدارس
أغلب من يبحثون عن علاج التنمر عند الأطفال، يكون أطفالهم قد تعرضوا للتنمر في مدرستهم. ويُعد التنمر في المدارس من أكثر أنواع التنمر شيوعًا بين الأطفال، ويشكّل تحديًا حقيقيًا للعملية التعليمية ولصحة الطفل النفسية.
يحدث التنمر المدرسي عندما يتعرّض الطفل للإساءة الجسدية أو اللفظية أو النفسية بشكل متكرر من زملائه، سواء داخل الفصل أو في ساحات اللعب أو حتى في طريق الذهاب والعودة من المدرسة.
وتتعدد أشكال التنمر المدرسي بين:
- التنمر اللفظي: مثل السخرية، إطلاق الألقاب، الإهانات أو التهديد.
- التنمر الجسدي: كالضرب، الدفع، أو الإيذاء البدني المتكرر.
- التنمر الاجتماعي: كنبذ الطفل، منعه من اللعب مع الآخرين، أو نشر الشائعات عنه.
- التنمر الإلكتروني: من خلال الرسائل أو منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، وهو نوع متزايد حتى بين طلاب المدارس الابتدائية.
وقد لا يلاحظ المعلمون أو أولياء الأمور الأمر بسهولة، لأن الطفل غالبًا ما يشعر بالخجل أو الخوف من التبليغ. لذلك، من الضروري أن تظل قنوات التواصل بين الطفل ووالديه والمعلمين مفتوحة باستمرار، مع خلق بيئة مدرسية آمنة وصحية تحمي الأطفال وتُشجّعهم على التعبير عن مشاكلهم دون خوف.
أسباب التنمر في المدارس
وللوقوف على علاج التنمر عند الأطفال في المدارس يجب أن نقف أولًا على أسبابه، التي تتنوع ما بين أسباب لها علاقة بالمتنمر نفسه وأسباب متعلقة بالبيئة المحيطة داخل المدرسة:
- الرغبة في فرض السيطرة أو إثبات الذات: بعض الأطفال يلجؤون للتنمر كطريقة للشعور بالقوة والسيطرة على الآخرين، خاصةً إذا كانوا يفتقدون الثقة بالنفس.
- التقليد والتأثر بالمحيط: قد يتعلم الطفل سلوكيات التنمر من المنزل أو من شخصيات يراها في الأفلام أو الألعاب أو حتى من زملاء آخرين في المدرسة.
- الغيرة أو التنافس الزائد: أحيانًا يكون السبب هو الغيرة من زميل متفوق دراسيًا أو محبوب من المعلمين والزملاء.
- غياب التوجيه الأسري أو المدرسي: ضعف التواصل مع الأهل أو إهمال التوجيه داخل المدرسة قد يترك الطفل دون قيم أو حدود واضحة.
- التمييز والاختلاف: يُستهدف بعض الأطفال بالتنمر بسبب اختلافهم، سواء في الشكل أو اللغة أو الدين أو الحالة الاجتماعية.
- الضغط النفسي أو المشاكل الشخصية: قد يكون الطفل المتنمِّر نفسه يعاني من مشاكل نفسية أو ضغوط داخل المنزل، ويفرغها على زملائه الأضعف.
لذلك من الضروري أن تهتم المدارس بتوفير دعم نفسي وتربوي، وأن يكون هناك مراقبة وتدريب مستمر للأطفال على تقبُّل الآخرين وحل النزاعات بطريقة سلمية.
سلوك التنمر عند الأطفال والمراهقين
سلوك التنمر عند الاطفال والمراهقين له أشكال عديدة، تختلف حسب العمر، البيئة، والقدرة على التعبير. ففي الطفولة مثلًا، قد يبدأ التنمر بسيطًا، مثل السخرية من الأسماء أو الملابس، لكنه قد يتطور حتى يصبح سلوكًا مؤذيًا جسديًا ونفسيًا.
أما في مرحلة المراهقة، فيصبح التنمر أكثر تعقيدًا، وقد يتخد أشكالًا مثل التهديد، والإقصاء من المجموعات. المراهب المتنمر غالبًا ما تدفعه رغبة في فرض الهيمنة، أو أنه قد يكون قد تأثر بأجواء غير صحية في محيطه مثل المشاكل الأسرية.
ويجب أن نشدد على فكرة أن المتنمر ليس “شريرًا” بطبعه، لكنه في أغلب الأحيان ضحية الظروف الأسرية والمجتمعية الصعبة. وبالتالي، فـ علاج التنمر عند الأطفال، سواء كان في المدرسة أو غيرها، يجب أن يشمل تحليلًا شاملًا للجذور التي تغذي التنمر، وليس مجرد إيقاف التنمر وعلاج أعراضه على الضحية.
يجب أن نشمل المتنمر والضحية معًا بالرعاية النفسية كجزء أساسي من الحل، لإعادة بناء السلوك والثقة بالنفس لدى الجميع.
علاج التنمر عند الأطفال
علاج التنمر عند الأطفال لا يقتصر فقط على توبيخ الطفل المتنمّر أو مواساة الطفل الذي تعرّض للأذى، بل هو عملية شاملة تحتاج إلى تضافر الجهود بين الأسرة، المدرسة، والأخصائيين النفسيين.
في البداية، يجب الاستماع إلى الطفل الذي تعرّض للتنمر باهتمام وتعاطف، دون إصدار أحكام، فمجرد شعوره بالأمان في الحديث يُعد خطوة مهمة نحو الحل. بعد ذلك، يمكن اتخاذ الخطوات التالية:
- التواصل مع المدرسة: يجب إبلاغ إدارة المدرسة بالموقف لضمان اتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف التنمر ومراقبة سلوكيات الأطفال.
- دعم الطفل نفسيًا: سواء من خلال التحدث الإيجابي في المنزل، أو عبر جلسات مع أخصائي نفسي إذا لزم الأمر، لدعم ثقته بنفسه وتقوية مناعته النفسية.
- تعليم الطفل المهارات الاجتماعية: مثل كيفية الرد الحازم على المتنمّرين، وتكوين صداقات صحية، وتفادي المواجهات السلبية.
- تعديل سلوك الطفل المتنمّر (إن كان هو الفاعل): وذلك بفهم الأسباب التي دفعته للتنمر والعمل على تعديلها من خلال التربية الإيجابية والعلاج السلوكي.
وأخيرًا، لا بد من تهيئة بيئة داعمة في المنزل، تُشعر الطفل بالأمان والانتماء، لأن الأطفال الذين يشعرون بأن لديهم سندًا قويًا، يكونون أكثر قدرة على تجاوز آثار التنمر.
اقرأ أيضا: 11 نصيحة لبناء شخصية طفل قوية ومتوازنة
في النهاية
تطرّقنا في هذا المقال لكل ما يخص التنمر، من أسباب، وأعراض، وتعريف، وعلاج، ونعتبر هذا المقال مرجعًا شاملًا يمكن أن يهم كل أولياء الأمور، سواء من تعرض أطفالهم للتنمر، أو من يحبون فهم التنمر على سبيل الاحتياط والجاهزية. وفي مقالات قادمة إن شاء الله، سنتطرق بشكلٍ مفصّل وشامل أكثر لكيفية علاج التنمر عند الأطفال، وأعراض وأشكال التنمر عند الأطفال، وأيضا سلوك التنمر عند الأطفال والمراهقين. وإلى لقاء.
مصطفى اليماني، خريج نظم معلومات إدارية دفعة ٢٠١٣، يعمل في كتابة المحتوى منذ عام ٢٠١٩، وتخصص في عام ٢٠٢٣ في المحتوى التعليمي والتربوي والمحتوى المتعلق بصحة الأسرة والطفل. كما يعمل في مجالي الصحافة والترجمة الأدبية.