نؤمن بأن التعليم رحلة تستمر مدى الحياة، لذلك نقدم لك في مدونتنا محتوى غني ومتنوع يساعدك في تطوير مهاراتك وتحقيق أقصى استفادة من العملية التعليمية.

علاج التنمر عند الأطفال – متى يحتاج الطفل إلى علاج؟

يمثّل التنمر ظاهرة سلبية في كل المجتمعات، وكنّا قد تحدثنا عنه في مقال سابق وتناولنا كل ما قد يخصه، من معناه، أسبابه، أعراضه، وجزءً من عملية علاجه، والآن في هذا المقال، نستكمل حديثنا عن علاج التنمر عند الأطفال ولكن بشكلٍ مستفيض، حيث نتناول خطوات علاج التنمر في المنزل، ومتى يجب أن نلجأ للطبيب النفسي لعلاج التنمر، ودور المدرسة في علاج التنمر عند الأطفال. وإلى المقال.

متى يحتاج الطفل إلى علاج من التنمر

لا يعتبر كل خلاف أو مشاجرة عابرة بين الأطفال تنمرًا يستدعي تدخلًا علاجيًا متخصصًا. ومع ذلك، يصبح البحث عن علاج التنمر عند الأطفال ضرورة ملحة عندما تظهر على الطفل مؤشرات واضحة تدل على معاناته من آثار التنمر المستمر والمؤذي. تشمل هذه المؤشرات:

  • تغيرات ملحوظة في سلوكه مثل الانطواء المفاجئ.
  • الخوف من الذهاب إلى المدرسة أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية.
  • صعوبات النوم أو الكوابيس المتكررة.
  • فقدان الشهية أو آلام المعدة والرأس غير المبررة.
  • بالإضافة إلى ذلك، قد يظهر الطفل علامات تدني الثقة بالنفس، والشعور بالذنب أو العار، وتقلبات مزاجية حادة أو نوبات غضب غير معهودة.

الفرق الأساسي يكمن في تكرار الفعل العدواني، وتعمد إلحاق الأذى (جسديًا أو نفسيًا)، واختلال ميزان القوة بين الطرفين. فالتنمر ليس مجرد موقف عابر، بل هو سلوك عدواني متكرر يستهدف إخافة أو إيذاء الطفل بشكل ممنهج. فإذا لاحظتم هذه العلامات واستمرت لفترة طويلة، فمن الضروري طلب المساعدة المتخصصة لتقديم الدعم النفسي والعاطفي اللازم للطفل ومساعدته على تجاوز آثار هذه التجربة الصعبة.

ماذا يفعل الطفل عندما يتعرض للتنمر

تناولنا في مقال سابق أعراض وأشكال التنمر عند الأطفال، حتى إذا لاحظتموها ولّيتموها انتباهكم وشملتوا الطفل بالرعاية اللازمة، لكن، مثلما على الأهل دور في علاج التنمر عند الأطفال، سواء في المنزل أو عند الطبيب النفسي، فيجب أن نكون جاهزين بالنصح اللازم للطفل.

إن تزويد الطفل ببعض الاستراتيجيات البسيطة يمكن أن يساعده على التعامل مع المواقف الصعبة وتقليل شعوره بالعجز.

  • الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي تشجيع الطفل على التحدث إلى شخص بالغ موثوق به فور تعرضه للتنمر، سواء كان أحد الوالدين، أو معلمًا، أو مرشدًا مدرسيًا.
  • هذا التواصل المبكر هو جزء أساسي من عملية علاج التنمر عند الأطفال على المدى الطويل، حيث يضمن حصول الطفل على الدعم والحماية اللازمين.
  • يمكن تعليم الطفل أيضًا بعض التقنيات لتقليل تفاعله مع المتنمر في المواقف البسيطة، مثل: التجاهل والمشي بعيدًا بثقة، أو قول كلمة حازمة وبسيطة للتعبير عن عدم رضاه عن السلوك.

من المهم التأكيد على الطفل بأنه ليس مخطئًا وأنه لا يستحق التعرض للتنمر، وأن طلب المساعدة هو علامة قوة وليس ضعف. بناء ثقة الطفل بنفسه وتعزيز مهاراته الاجتماعية يلعب دورًا هامًا في جعله أقل عرضة للتنمر ويساهم في تعافيه وعلاج التنمر الذي يتعرض له بشكل فعال.

هل التنمر في الصغر يؤثر في الكبر

نحن نهتم بمسألة علاج التنمر عند الأطفال، ليس لمصلحة الطفل في المرحلة الحالية فقط، وإنما لمصلحته في المستقبل أيضًا، فالآثار السلبية للتنمر في مرحلة الطفولة يمكن أن تمتد لتؤثر على حياته في مرحلة البلوغ بشكلٍ كبير. إن الأشياء التي قد يعاني منها الطفل، مثل:

  • الإهانات المستمرة.
  • الشعور بالخوف والعجز.
  • العزلة الاجتماعية.

قد تترك ندوبًا عميقة على صحته النفسية. وتشير الدراسات إلى أن الأفراد الذين تعرضوا للتنمر في صغرهم يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة في مراحل لاحقة من حياتهم.

التدخل المبكر وتقديم الدعم النفسي المناسب يمكن أن يقلل بشكل كبير من احتمالية استمرار هذه الآثار السلبية المصاحبة للتنمر إلى مرحلة البلوغ ويساهم في بناء أطفال يتمتعون بصحة نفسية أفضل وقدرة أكبر على مواجهة تحديات الحياة.

كيف يمكنني توعية أطفالي عن التنمر

جزء من علاج التنمر عند الأطفال يكمُن في توعية الأطفال عن التنمر وتعريفهم طبيعته بشكلٍ جيّد. يمكن البدء بـ:

  • تعريف الأطفال مفهوم التنمر بأسلوب مبسط ومناسب لأعمارهم، مع التأكيد على أنه سلوك خاطئ وغير مقبول.
  • من المهم أيضًا تعليمهم كيفية التمييز بين المزاح البريء والسلوك المؤذي والمتكرر الذي يهدف إلى إلحاق الضرر.
  • يمكن استخدام القصص والأمثلة الواقعية لمناقشة سيناريوهات التنمر المختلفة وكيفية التصرف فيها.
  • بالإضافة إلى ذلك، يجب غرس قيم التعاطف والاحترام وتقبل الآخر في نفوس الأطفال، وتعليمهم كيفية الدفاع عن أنفسهم وعن الآخرين الذين يتعرضون للتنمر.

هذه الجهود المبكرة في التوعية تعتبر جزءً أساسيًا من استراتيجية شاملة لـ علاج التنمر عند الأطفال على المدى الطويل، حيث تساهم في خلق بيئة مدرسية ومنزلية أكثر أمانًا ووعيًا.

ما هي صفات الطفل المتنمر

يقف هذا الجزء ضمن مسألة توعية الأطفال عن التنمر أيضًا، فـ علاج التنمر عند الأطفال يشمل أن نستطيع وأطفالنا تمييز الطفل المتنمر حتى نتيقن من طبيعته ونقرر البدء في اتخاذ إجراءات علاج التنمر التي سنتطرق إليها لاحقًا في مقالنا هذا.

لتحديد الأطفال الذين قد يمارسون التنمر، من المهم ملاحظة التالي:

  • الحاجة إلى السيطرة والقوة: غالبًا ما يسعى الطفل المتنمر إلى السيطرة على الآخرين وإخضاعهم، ويستمتع بإظهار قوته عليهم.
  • تدني التعاطف: قد يظهر الطفل المتنمر قلة في فهم مشاعر الآخرين أو عدم الاهتمام بها، وقد لا يدرك الأذى الذي يسببه سلوكه.
  • سلوك عدواني: يميل إلى استخدام القوة البدنية أو اللفظية للتعبير عن غضبه أو تحقيق أهدافه، وقد يكون لديه تاريخ من المشاجرات أو السلوكيات العدوانية.
  • تدني تقدير الذات (في بعض الحالات): على عكس المظهر الواثق، قد يعاني بعض الأطفال المتنمرين من تدني تقدير الذات ويسعون لتعويض هذا الشعور بإذلال الآخرين.
  • التأثير السلبي على الأقران: قد يكون لديه أتباع يشجعونه على سلوكه أو يخشون الوقوف ضده.
  • صعوبة تحمل المسؤولية: قد يميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين أو تبرير سلوكه العدواني.
  • مشاكل في الانضباط: قد يواجه صعوبات في الالتزام بالقواعد والتعليمات في المنزل أو المدرسة.
  • مشاهدة أو التعرض للعنف: قد يكون الطفل المتنمر قد شهد أو تعرض للعنف أو الإساءة في بيئته، مما يؤثر على سلوكه.

إن فهم هذه الصفات يساعد في التعرف المبكر على الأطفال الذين يحتاجون إلى تدخل ودعم ضمن برامج علاج التنمر عند الأطفال، والتي يجب أن تركز على معالجة الأسباب الجذرية لسلوكهم وتعليمهم طرقًا صحية للتفاعل مع الآخرين.

خطوات علاج التنمر عند الأطفال في المنزل

يبدأ علاج التنمر عند الأطفال من المنزل بتوفير بيئة آمنة وداعمة يشعر فيها الطفل بالحب والتقدير، ثم اتباع التالي:

1. الخطوة الأولى هي الاستماع بإنصات لطفلك إذا كان ضحية للتنمر، والتحقق من مشاعره دون التقليل من شأنها.

2. من المهم طمأنته وإخباره أنه ليس مخطئًا وأنك ستساعده في إيجاد حل.

3. تحدث معه عن أهمية طلب المساعدة من شخص بالغ موثوق به في المدرسة.

4. علم طفلك استراتيجيات بسيطة للتعامل مع المتنمر مثل التجاهل أو الابتعاد (كما أسلفنا).

5. عزز ثقته بنفسه من خلال التركيز على نقاط قوته ومواهبه.

إذا كان طفلك هو من يمارس التنمر، فمن الضروري التعامل مع الأمر بحزم وهدوء، واتباع التالي:

1. توضيح أن هذا السلوك غير مقبول وعواقبه وخيمة.

2. محاولة فهم الأسباب الكامنة وراء سلوكه، فقد يكون يعاني من مشاعر مكبوتة أو يقلد سلوكًا يراه في محيطه.

3. العمل على تطوير مهارات التعاطف لديه وتعليمه طرقًا صحية للتعبير عن مشاعره وإدارة غضبه جزء أساسي من علاج التنمر عند الأطفال في المنزل.

4. التعاون المستمر مع المدرسة والمختصين يمكن أن يوفر دعمًا إضافيًا ويساهم في تحقيق نتائج إيجابية.

دور المدرسة في علاج التنمر عند الأطفال

تلعب المدرسة دورًا محوريًا في جهود علاج التنمر عند الأطفال وتوفير بيئة تعليمية آمنة وداعمة للجميع. لتحقيق ذلك، يجب على المدرسة اتخاذ عدة خطوات أساسية:

  • التواصل الفعال مع إدارة المدرسة والمعلمين: يجب على الأهل عدم التردد في التواصل الفوري مع إدارة المدرسة والمعلمين عند ملاحظة أي علامات تدل على تعرض الطفل للتنمر أو ممارسته له. التعاون الوثيق وتبادل المعلومات بين البيت والمدرسة ضروري لفهم المشكلة بشكل كامل وتطبيق استراتيجيات علاجية متكاملة.
  • ضرورة وجود سياسة صارمة وواضحة ضد التنمر: يجب على المدرسة وضع سياسة واضحة ومفصلة تحدد ما يعتبر تنمرًا، وتوضح الإجراءات التأديبية التي ستتخذ ضد المتنمرين، وتضمن تطبيق هذه السياسة بشكلٍ عادل ومتسق على جميع الطلاب. يجب أن تكون هذه السياسة معروفة ومفهومة من قِبل الطلاب والأهل والموظفين.
  • إعداد بيئة آمنة نفسيًا للأطفال: تعمل المدرسة على خلق جو يشجع على الاحترام المتبادل والتعاطف والتسامح. يتضمن ذلك: تنظيم فعاليات وورش عمل للتوعية بمخاطر التنمر وتعزيز السلوكيات الإيجابية، وتوفير آليات آمنة وسرية للطلاب للإبلاغ عن حوادث التنمر دون خوف من الانتقام.
  • توفير برامج دعم للضحايا والمتنمرين: يجب أن تقدم المدرسة الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب الذين تعرضوا للتنمر لمساعدتهم على تجاوز آثاره السلبية. بالمثل، يجب توفير برامج إرشادية وتأهيلية للأطفال الذين يمارسون التنمر لمساعدتهم على فهم سلوكهم وتغييره واكتساب مهارات اجتماعية أفضل.
  • تدريب الموظفين على التعامل مع حالات التنمر: يجب تزويد جميع العاملين في المدرسة، بما في ذلك المعلمين والإداريين والمشرفين، بالمهارات والمعرفة اللازمة للتعرف على علامات التنمر والتدخل الفعال لحماية الطلاب وتطبيق سياسات مكافحة التنمر بشكل صحيح.

من خلال تبني هذه النقاط، يمكن للمدرسة أن تكون شريكًا فعالًا في علاج التنمر عند الأطفال والمساهمة في بناء جيل يتمتع بصحة نفسية جيدة وعلاقات اجتماعية إيجابية.

العلاج النفسي والسلوكي

يُعد اللجوء إلى طبيب أو أخصائي نفسي خطوة حاسمة في علاج التنمر عند الأطفال، خاصة عندما تظهر على الطفل علامات اضطراب نفسي واضحة نتيجة للتجربة، مثل الاكتئاب الشديد، والقلق المزمن، ونوبات الهلع، أو صعوبات النوم والأكل المستمرة. يصبح التدخل المتخصص ضروريًا أيضًا إذا لم تستجب محاولات الدعم المنزلي والمدرسي الأولية بشكل فعال، أو إذا كان التنمر شديدًا ومستمرًا.

تشمل تقنيات العلاج السلوكي المعرفي (CBT) المستخدمة مع الأطفال المتضررين من التنمر ما يلي:

  • تحديد وتغيير الأفكار السلبية: مساعدة الطفل على التعرف على الأفكار المشوهة وغير المنطقية المتعلقة بالتنمر وتحديها واستبدالها بأفكار أكثر إيجابية وواقعية.
  • تطوير مهارات التأقلم: تعليم الطفل استراتيجيات صحية للتعامل مع المشاعر الصعبة مثل الخوف والغضب والحزن، وتقنيات لتقليل التوتر والقلق.
  • بناء الثقة بالنفس وتقدير الذات: العمل على تعزيز شعور الطفل بقيمته الذاتية وقدراته، ومساعدته على استعادة الثقة التي اهتزت بسبب التنمر.
  • تحسين المهارات الاجتماعية: تعليم الطفل كيفية التواصل بفعالية وحزم، وكيفية بناء علاقات صحية والحفاظ عليها، وكيفية التعامل مع المواقف الاجتماعية الصعبة.

بالإضافة إلى العلاج الفردي الذي يركز على احتياجات الطفل الخاصة، تلعب جلسات الدعم الجماعي والفردي دورًا هامًا في عملية التعافي.

توفر الجلسات الفردية مساحة آمنة للطفل للتعبير عن مشاعره وتجاربه بحرية وتلقي الدعم والتوجيه الشخصي.

أما جلسات الدعم الجماعي، فتمنح الأطفال الذين مروا بتجارب مماثلة فرصة للتواصل معًا وتبادل الخبرات والشعور بأنهم ليسوا وحدهم، مما يعزز شعورهم بالانتماء ويساهم في عملية الشفاء.

خاتمة

تناولنا في مقالنا هنا كل ما يخص علاج التنمر عند الأطفال، سواء من جانب الأهل، أو جانب المدرسة، وتعرفنا معًا على الكثير من الاستراتيجيات التي يمكن أن نعلّمها للطفل في سبيل مواجهة المتنمرين، وفي مقالات قادمة إن شاء الله، سنستكمل حديثنا عن مشكلة التنمر عند الأطفال ومختلف جوانبها، فشكرًا لحسن قرائتكم.

أسئلة شائعة حول علاج التنمر عند الأطفال

1. هل يحتاج كل طفل تعرض للتنمر إلى علاج نفسي؟

ليس بالضرورة، فالدعم العاطفي من الأهل والمدرسة قد يكون كافيًا في الحالات البسيطة، لكن العلاج النفسي يُنصح به عند ظهور علامات اضطراب نفسي أو استمرار الآثار السلبية.

هل العلاج السلوكي فعال في حالات التنمر؟

نعم، العلاج السلوكي المعرفي فعال في مساعدة الأطفال المتضررين على تغيير الأفكار السلبية وتطوير مهارات التأقلم وبناء الثقة بالنفس.

ما مدة التعافي من آثار التنمر؟

تختلف مدة التعافي من طفل لآخر وتعتمد على شدة التنمر والدعم المتوفر، وقد يستغرق الأمر أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات للتعافي الكامل.

هل من الطبيعي أن يخفي الطفل تعرضه للتنمر؟

نعم، من الطبيعي أن يشعر الطفل بالخجل أو الخوف من ردة فعل الأهل أو المتنمر، لذا من المهم بناء الثقة وتشجيعه على التحدث.

كيف أساعد طفلي على بناء صداقات جديدة بعد تجربة تنمر؟

شجع طفلك على المشاركة في الأنشطة التي يستمتع بها، وادعُ أطفالًا آخرين للعب في المنزل، وعلمه مهارات التواصل الاجتماعي الإيجابية.

مصطفى اليماني، خريج نظم معلومات إدارية دفعة ٢٠١٣، يعمل في كتابة المحتوى منذ عام ٢٠١٩، وتخصص في عام ٢٠٢٣ في المحتوى التعليمي والتربوي والمحتوى المتعلق بصحة الأسرة والطفل. كما يعمل في مجالي الصحافة والترجمة الأدبية.