نؤمن بأن التعليم رحلة تستمر مدى الحياة، لذلك نقدم لك في مدونتنا محتوى غني ومتنوع يساعدك في تطوير مهاراتك وتحقيق أقصى استفادة من العملية التعليمية.

تعديل سلوك الاطفال: دليل شامل للتعامل مع السلوكيات الصعبة

تواجهنا جميعًا آباء ومعلِّمين، تحديات يومية مع أطفالنا، أبرزها تلك التي تتعلَّق بسلوكياتهم التي قد تكون مزعجة أحيانًا أو غير مرغوب فيها. لكن، وبينما الحل الذي قد يلجأ إليه أغلبنا يتمحور حول تعنيف الأطفال، إلا أن هناك مصطلحًا يمكن أن يساعدنا بشكلٍ أفضل اسمه تعديل سلوك الاطفال. لم تعد هناك حاجة للصراخ أو العقاب العشوائي الذي لا يؤتي ثماره غالبًا، هناك حاليًا استراتيجيات مدروسة تتيح لنا تعديل سلوك الاطفال وتوجيهه نحو الأفضل.

ولأننا اعتدنا هنا التطرُّق لكل ما يخص صحة الطفل النفسية أو البدنية، نتناول في مقالنا هذا مفهوم تعديل السلوك، وأسباب السلوكيات السلبية، وأنواعها، وكيف نتخذ خطوات عملية نحو تعديل سلوك الطفل. وإلى المقال.

ما هو تعديل سلوك الأطفال

إن تعديل سلوك الاطفال عبارة عن عملية تربوية نهدف من خلالها إلى توجيه سلوك الطفل وتغييره بشكلٍ إيجابي، يتم هذا عن طريق استراتيجيات بعيده كل البُعد عن الترهيب والعقاب، وتعتمد على التعزيز والمكافأة والملاحظة والمتابعة.

وبعكس المعروف عن تعديل السلوك، فهو لا يختص فقط بالتخلص من التصرفات السلبية، بل يعزِّز أيضًا السلوكيات الإيجابية، ويشجِّع الطفل على اتخاذ أفضل قراراته في المواقف المختلفة.

وفي تعديل السلوك الناجح، نجد أن الفهم الجيد لنفسية الطفل وأسباب السلوك السلبي هو المفتاح لنتيجة جيدة، كما أن الفهم الجيد يساعد على اختيار الأسلوب المناسب للتغيير دون أن يشمل ذلك تأثير سلبي على ثقة الطفل أو علاقته بأسرته ومعلميه.

الأسباب الشائعة عن السلوكيات السلبية عند الأطفال

للسلوكيات السلبية عند الأطفال أسباب عديدة، تتراوح ما بين النفسي والاجتماعي والصحي. وفي النقاط التالية سنتطرق لأبرز أسباب السلوكيات السلبية عند الأطفال، مع العلم أن أغلبها يكون عبارة عن سلوك عدواني أو عناد أو غضب مبالَغ فيه:

  • البحث عن الانتباه: الطفل الذي لا يحصل على الاهتمام الكافي قد يستخدم السلوك السيء للفت الأنظار.
  • الغيرة أو الشعور بالمنافسة: يشعر الطفل بالغيرة بشكلٍ خاص عند وجود إخوة أصغر أو أكبر سنًا، ما يشعره بالتهديد.
  • الضغوط الأسرية: مثل خلافات الأهل أو التغيرات المفاجئة كالانتقال من بيت لآخر.
  • أسلوب التربية: قد يصاب الطفل بسلوك غير متَّزِن عند وجود تناقض في التربية أو قسوة زائدة أو تدليل مفرط.
  • اضطرابات نفسية وعصبية: ليس كل السلوكيات التي تستدعي تعديل سببها خارجي، فهناك أسباب داخلية مثل الخوف وفرط الحركة وتشتت الانتباه أو القلب والاكتئاب.

فهم هذه الأسباب يعد أول خطوات تعديل سلوك الاطفال بشكلٍ سليم، فالتصرفات السلبية ليست اعتباطية أبدًا، وإنما هي رسائل غير مباشرة تحتاج منا أن نصغي إليها ونفهمها حتى نستطيع تحديد التعامل المناسب معها.

ما هي أشهر السلوكيات السيئة عند الأطفال؟

غالبًا ما تشكو الأمهات من سلوكيات أطفالهم ومن عدم جدوى الأساليب التي يتبعنها معهم، وهنا نؤكد أن تعديل سلوك الأطفال هو الحل الأمثل للتخلص من السلوكيات السلبية وغير الحميدة، طيب، ما هي أنواع السلوكيات التي يمكن أن نواجهها ونجد حلها لدى تعديل السلوك؟

الحقيقة أن السلوكيات التي يمكن تعديلها عند الأطفال تختلف باختلاف المرحلة العمرية والبيئة المحيطة، إلا أن هناك سلوكيات مشتركة وشائعة بين كل المراحل. من أبرز هذه السلوكيات “العناد المستمر ورفض الأوامر”، هذا سلوك مشهور ومزعج في آنٍ، ولا بدّ أن نفهم أنه نابع من رغبة الطفل في إثبات ذاته أو لفت انتباه الأهل والمعلمين إليه.

هناك أيضًا “نوبات الغضب والصراخ”، وتلك السلوكيات يمكن العمل على تعديلها باستخدام استراتيجيات خاصة للتهدئة.

هناك كذلك سلوك “الكذب أو إخفاء الحقيقة”، وهذا السلوك يظهر في سن المدرسة، ويتم تعديله من خلال التوعية والتوجيه المستمرين.

يعاني بعض الأطفال من “سلوك عدواني تجاه أقرانهم”، ويمارسونه سواء من خلال التحرش البدني أو اللفظي، وهذا النوع يحتاج تدخلًا سريعًا إذ أنه يؤثر على علاقات الطفل الاجتماعية ويعزله عن الأصدقاء.

من ناحية أخرى، هناك سلوكيات سلبية مزعجة لكن أقل حدة في الوقت ذاته. وهذه نجدها في مقاطعة حديث الآخرين، وعدم الإصغاء لتوجيهات الكبار، أو الاعتماد المفرط على الأسرة في أقل وأبسط المهام.

كل هذه السلوكيات قد تبدو هامشية، لكنها سلوكيات سلبية يمكن التعامل معها وتغييرها من خلال تعديل سلوك الأطفال.

الميزة الكبرى في تعديل السلوك هي أنه لا يستهدف المشكلات الظاهرة فحسب، لكن يستهدف أيضًا بناء شخصية الطفل وتعزيز استقلاليته وتواصله مع الآخرين.

تعرف على: أسباب ضعف الشخصية عند الأطفال

ما هي تمارين تعديل سلوك الاطفال؟

والآن، بعد أن تحدثنا عن تعريف تعديل سلوك الأطفال، وأسباب السلوكيات السلبية، وأشهر سلوكيات سلبية عند الأطفال، نأتي للفقرة الأهم، ألا وهي: كيف تتم تمارين تعديل السلوك؟

لا يحدث تعديل السلوك بين ليلة وضحاها، بل هو سلسلة من الخطوات التي تحتاج إلى سعة صدر من جانب الأهل وأخصائي تعديل السلوك بالطبع. والخطوة الأولى نحو تعديل السلوك هي تحديد السلوك السلبي بدقة، فمن خلال سؤال الأهل والتحدث مع الطفل وإخضاعه لعدة اختبارات، يمكن أن نصل إلى السلوك السلبي بدقة.

الخطوة الثانية هي معرفة الأسباب وراء السلوك. وكما يُقال: إذا عُرِف السبب بطل العجب، ولا يحدث السلوك غير الحميد من فراغ، فغالبًا ما ينبع نتيجة دوافع داخلية أو مؤثرات خارجية.

الخطوة الثالثة التي يعتمدها الأخصائي هي وضع قواعد واضحة ومفهومة، فالأطفال بشكلٍ عام يحتاجون إلى نظام ثابت، ومن خلال وضع قواعد سلوكية بسيطة وشرحها للطفل بطريقة تناسب عقله، يمكن أن نوجّه الطفل للالتزام بتطبيقها في كل الأوقات.

يأتي بعد خطوة وضع القواعد، خطوة تعزيز السلوك الإيجابي: فبدلًا من تركيزنا على العقاب، يجب أن نحرص على مدح السلوك الإيجابي لدى الطفل، فهذه العادة تشجع الطفل على تكراره.

إذا استمر السلوك غير المرغوب، يمكن عندها أن نلجأ لاستخدام وسائل عقاب غير مؤذية للطفل سواء على المستوى النفسي أو الجسدي، وعلى سبيل المثال، يمكن أن نحرمه بشكلٍ مؤقت من شيء يحبه مع توضيح سبب العقاب.

ولا يجب نهائيًا أن ننتظر رؤية نتائج سريعة حتى لا نصاب باليأس والإحباط. فإن تعديل سلوك الأطفال عملية تتطلب الاستمرارية والثبات وعدم التراجع عن القواعد حتى لو رأينا تحسن مؤقت.

من المهم كذلك في كل الأحوال تخصيص وقت للحوار مع الطفل، حيث نسأله عن مشاعره وأفكاره، فعبر الحوار، يمكن أن نستنبط أو نكتشف أسباب خفية تقع وراء سلوكه وربما لم ينتبه لها أحد من قبل.

باتباع هذه الخطوات، يمكن تعديل أغلب السلوكيات السلبية لدى الأطفال.

تعرف أيضا على: كيفية تنمية المهارات الاجتماعية عند الأطفال

متى يحتاج الطفل جلسات تعديل سلوك؟

…لكن هل نحتاج دائمًا إلى زيارة متخصص لـ تعديل سلوك الأطفال؟ ألا يمكن لنا ممارسة هذه الخطوات في المنزل؟ الحقيقة أنه يفضَّل استشارة أخصائي في الحالات الصعبة وفي كل الأحوال هناك دور ستمارسه الأسرة بالتأكيد مع الطفل، لكن بشكلٍ عام، هناك علامات يمكن لنا عند رصدها تقرير احتياج الطفل زيارة أخصائي تعديل سلوك.

فمثلًا إذا كان الطفل يستخدم الألفاظ البذيئة بشكل مستمر حتى بعد التنويه أكثر من مرة بعدم استخدامها، يجب حينها زيارة الأخصائي.

إذا كان الطفل يميل للعنف كحل أول ولم يرتدع عند استخدام عقاب (غير مؤذي نفسيًا أو جسديًا معه).
إذا كان الطفل لا يمتثل للقواعد سواء داخل المنزل أو في المدرسة ولا يمتثل لها حتى بعد تحديدها معه وإخباره بضرورة الحفاظ عليها.

بشكلٍ عام، تستطيعين كأم تحديد مدى احتياج طفلكِ للتدخل الخارجي. إن تكرار كلمة بذيئة أو فعل عنيف وعدم الاهتمام بمحاولات النصح والعقاب التربوي علامة يجب الانتباه لها جيدًا، كما أن التواصل المستمر مع المدرسة ومشرفيها ضروري للغاية للتنسيق معهم، فهم الأدرى بالأطفال من الناحية التربوية.

الخاتمة

تطرقنا في مقالنا لكل ما يمكن أن يخص تعديل سلوك الأطفال، فشرحنا مفهومه، وعتطرَّقنا للسلوكيات السلبية الشائعة وأسبابها، ومتى يحتاج الطفل إلى تدخل خارجي.

وكما تحدثنا من قبل عن التنمر عند الأطفال، وشاركنا معكم هنا أهمية تعديل سلوك الأطفال، سنستمر في تقديم مقالات أكثر عن صحة الطفل النفسية، لما لها من أهمية مثل الصحة البدنية تمامًا. فإلى لقاء.

مصطفى اليماني، خريج نظم معلومات إدارية دفعة ٢٠١٣، يعمل في كتابة المحتوى منذ عام ٢٠١٩، وتخصص في عام ٢٠٢٣ في المحتوى التعليمي والتربوي والمحتوى المتعلق بصحة الأسرة والطفل. كما يعمل في مجالي الصحافة والترجمة الأدبية.