نؤمن بأن التعليم رحلة تستمر مدى الحياة، لذلك نقدم لك في مدونتنا محتوى غني ومتنوع يساعدك في تطوير مهاراتك وتحقيق أقصى استفادة من العملية التعليمية.

هل تلاحظ أن ابنك قد صار أكثر صمتًا من المعتاد؟ ربما يصاحب الصمت أشياء أخرى، مثل رفض الذهاب إلى المدرسة، والعودة من المدرسة بملابس متسخة وأدوات دراسية مكسورة، وحين تسأله يرد بإجابات مقتضبة أو يغير الموضوع.
ربما تكون العلامات هذه مجرد بداية لسلسلة من الأعراض التي تعرف باسم أعراض وأشكال التنمر عند الأطفال.
تمر أسر كثيرة بنفس الموقف، ولا تدرك أن وراء هذه السلوكيات رسائل غير مباشرة بطلب المساعدة. لم يعد التنمر يقتصر على الاعتداء الجسدي في المدرسة، بل صار أكثر تعقيدًا وله صور متعددة، وبعضها يصعب ملاحظته. لهذا، فإن فهمنا لـ أعراض وأشكال التنمر عند الأطفال هو الخطوة الأولى لحمايتهم.
تحدثنا في مقالات سابقة عن التنمر وأسبابه، وعن علاج التنمر عند الأطفال، وفي هذا المقال، سنتناول جميع أعراض وأشكال التنمر، سواء كانت نفسية أو جسدية، وكيف يمكن أن نكتشف ما يعجز الطفل عن قوله. فتابعوا القراءة.
ما هو التنمر عند الأطفال
لا بدّ لنا أن نفهم ما المقصود بالتنمر أولًا حتى إذا رأينا أعراض وأشكاله عند أطفالنا نستطيع تكوين صورة كاملة. كما ذكرنا من قبل، فإن التنمر عند الأطفال هو سلوك عدواني متكرر، يهدف فيه المتنمر إلى إيذاء الطفل سواء بشكلٍ جسدي أو نفسي أو اجتماعي، وغالبًا ما يحدث في بيئات الجماعية مثل المدرسة أو النادي أو حتى بشكلٍ رقمي عبر الإنترنت.
أشكال التنمر عند الأطفال
أشكال التنمر عند الأطفال متنوعة، وقد لا تظهر جميعها للعين. لكن من المهم عامة أن نفهم جيدًا كيف أن التنمر لا يقتصر على الإيذاء الجسدي، بل يشمل أيضًا:
- التنمر اللفظي: يتنوع ما بين السخرية من الطفل، والشتائم، والتهديدات، والألقاب الجارحة. ويكون من الصعب اكتشافه لأنه لا يترك أثرًا جسديًا.
- التنمر الاجتماعي: يشمل تهميش الطفل، نشر شائعات عنه، أو منعه من الأنشطة الجماعية.
- التنمر الجسدي. وهو الأكثر شيوعًا، حيث يشمل الضرب، الدفع، أو أي إيذاء جسدي متعمَّد، وغالبًا ما تكون آثاره واضحة.
- التنمر الإلكتروني: انتشر في السنوات الأخيرة، وفيه يتعرض الطفل للإيذاء من خلال الإنترنت، سواء عبر رسائل أو تعليقات أو منشورات.
فهمنا لأشكال التنمر عند الأطفال هو الخطوة الأولى نحو العلاج، حيث يتطلب كل شكل طريقة خاصة في التعامل والدعم.
أعراض التنمر عند الأطفال
تطرقنا في مقال سابق إلى أعراض التنمر عند الأطفال بشكل جزئي، لكن هذه المرة نفرد لها مساحة أكبر، حيث تعدّ أمرًا ضروري للتدخل المبكر وتقديم الدعم. غالبًا ما لا يصرّح أطفالنا بما يتعرضون له، بل يكتفون بالإشارة إلى معاناتهم من خلال تغيرات سلوكية، صحية، نفسية، وجسدية. لهذا نتطرق معًا للأعراض التي تصيب من يتعرض للتنمر:
- الخوف من المدرسة: قد يأتي على هيئة رفض الذهاب إليها أو القلق الشديد منها في الصباح.
- تراجع الأداء الدراسي: يأتي بسبب تراجع تركيز الطفل، فينخفض تحصيله الدراسي رغم اجتهاده المعتاد.
- اضطرابات في النوم. تأتي على هيئة أرق، أو كوابيس، أو نوم منقطع.
- اضطرابات الأكل: سواء كانت فقدان الشهية أو الإفراط في الأكل، وكلها مؤشرات نفسية هامة.
- علامات جسدية غير مبررة: مثل الكدمات أو الجروح.
- فقدان المتعلقات الشخصية: مثل الأدوات المدرسية، أو النقود بشكل متكرر.
- الانسحاب الاجتماعي: ربما ينقطع الطفل عن اللعب مع زملائه أو الحديث معهم ويفضل العزلة.
تحدث مع صغيرك بلطف ودون ضغط إذا لاحظت أيًا من هذه الأعراض، واطلع على مقال علاج التنمر عند الأطفال لتعرف ما يجب عمله في هذه الحالة.
الفرق بين الطفل المتنمَّر عليه والطفل الذي يعاني من مشكلات أخرى
حتى نستطيع الاستفادة جيدًا من أعراض وأشكال التنمر عند الأطفال، يجب أن نفهم أولًا أنها تتشابه مع مشكلات أخرى غير التنمر، فقد يكون الطفل مصابًا بالقلق، التوتر الدراسي، أو حتى متأثرًا بمشاكل منزلية.
فكيف نفرق بين هذا وذاك؟
- السلوك الاجتماعي: الطفل الذي يتعرض للتنمر غالبًا ما يُظهِر علامات انسحاب من الأنشطة الاجتماعية، يخاف الذهاب إلى المدرسة، ويرفض التفاعل مع أقرانه. بينما التوتر والقلق لا يمنعان الطفل من أن يكون اجتماعيًا.
- الكلام والإشارات: اصغي لكلام صغيرك عن المدرسة. هل يذكر أسماء تزعجه؟ هل يشكو من أنه “ليس محبوبًا” أو أن الجميع “يكرهونه”؟ هذه مؤشرات تدل على تنمر.
- السلوك الجسدي: إذا لاحظت على طفلك كدمات، تمزق في ملابسه، فقدان أدواته بشكل متكرر، فيجب أن تشكّ في تعرضه للتنمر.
ولكي تميز بين الأمرين بدقة في كل الأحوال، يجب أن تكون مستمعًا جيدًا لطفلك، وافهم جيدًا أنه لن يخبرك الحقيقة من المرة الأولى، لكن مع شعوره بالأمان والاهتمام سيتحدث. صادقه أولًا.
كيف تكتشف أن طفلك يتعرض للتنمر
حتى تستفيد من أعراض وأشكال التنمر عند الأطفال، يجب أن تتعلم كيفية اكتشاف التنمر، ونشدد هنا على أنه كلما اكتشفنا التنمر بشكلٍ مبكر، كلما كان هذا أفضل من الناحية النفسية والاجتماعية.
وإليك بعض الطرق العملية التي تساعد في هذا:
- المراقبة اليومية: راقب سلوك الطفل عند عودته من المدرسة ولترى إذا كان يشعر بالانزعاج أو الإرهاق، هل يلتزم الصمت أكثر من المعتاد؟
- الأسئلة الذكية: لا تسأله إن كان أحدًا قد ضايقه، لكن اسأله عن أكثر شخص يحب أن يجلس معه ومن أكثر شخص يضايقه. الصيغة غير المباشرة تشجع دائمًا على الكلام.
- الاطمئنان على المتعلقات الشخصية: إذا أصبح الطفل يعود من المدرسة بدون أدواته، فاسأله عن السبب بهدوء.
- التواصل مع المدرسة: لا تنقطع عن التواصل مع المعلمين وإدارة المدرسة حتى تصبح مطلعًا على سلوك طفلك وتفاعله على الدوام.
- تابع صداقاته: إذا لاحظت أنه فقد أصدقائه المقربين فجأة، فقد يكون هناك خلل في علاقاته يستحق المتابعة.
- الرسومات واللعب: قد يستخدم الطفل الرسومات والألعاب ليعبر عما بداخله، فانتبه لنشاطاته جيدًا.
كل هذه المؤشرات يمكن أن تساعدك على فهم حالة الطفل وتقربك إليها.
خطوات عملية للتعامل مع التنمر
إذا اكتشفت أن طفلك يعاني من التنمر، متى تتدخل؟ وماذا تفعل حينها؟ التدخل الفوري والهادئ يصبح ضروريًا في هذه المرحلة. في المنزل:
- ابدأ بالإنصات له وتفهَّم كلماته.
- عبر له عن دعمك الكامل وطمئنه. أخبره أنه ليس مخطئًا.
- وثق الأحداث وتفاصيلها (متى حدثت، أين، مِن مَن؟)
بعد ذلك، يصبح إشراك المدرسة أمرًا ضروريًا.
أما زيارة الأخصائي النفسي، فيجب أن تتم إذا خلّف التنمر تأثيرًا عميقًا على صحة الطفل النفسية، إن علامات مثل الاكتئاب، القلق الشديد، تدني الثقة بالنفس، يمكن أن تحطم طفولة الطفل وتلازمه مدى الحياة، لكن الأخصائي يمكنه مساعدته وعلاجه من أعراض وأشكال التنمر عند الأطفال.
خاتمة
في سلسلة مقالاتنا هذه، تناولنا التنمر بشكلٍ شامل، بدءً من الأسباب والأعراض، مرورًا بكيفية العلاج، وحتى أعراض وأشكال التنمر عند الأطفال، وقد اخترنا التطرُّق لهذه المشكلة بهذا الشكل الموسَّع لما تحمله من خطورة على أطفالنا وتهديد لإحساسهم بالأمان. لهذا، فإننا نوصي كل أب وأم بقراءة المقالات قراءة متمعِّنَة ومراسلتنا إذا كانت هناك استفسارات أخرى تهمهم.
أعدنا في مقالنا هذا تعريف التنمر، وعرضنا أعراض التنمر عند الأطفال، وأشكاله، وكيف نفرق بين التنمر والمشكلات الأخرى، ومتى نتدخل في المشكلة وكيف. وإلى اللقاء في مقالات أخرى تخص صحة أطفالنا البدنية والنفسية.
مصطفى اليماني، خريج نظم معلومات إدارية دفعة ٢٠١٣، يعمل في كتابة المحتوى منذ عام ٢٠١٩، وتخصص في عام ٢٠٢٣ في المحتوى التعليمي والتربوي والمحتوى المتعلق بصحة الأسرة والطفل. كما يعمل في مجالي الصحافة والترجمة الأدبية.